4 اكتوبر 2021

اقتصاد خدمات الطاقة

نستمر في الاستماع لآراء تتحدث عن أهمية تحقيق صافي انبعاثات صفري والتقليل من آثار التغير المناخي، وإذ نتشارك الأفكار والمعلومات حول الطرق المختلفة لخلق مستقبل أكثر استدامة، فإنه لا يمكننا تحقيق هذه الأهداف الطموحة بدون نظام متكامل وشامل للحلول المقترحة، وهذا يشمل إدارة جانب الطلب وكفاءة الطاقة.

فلنكن واقعيين في طرحنا: لا يزال الاقتصاد يلعب دوراً رئيسياً في معالجة المتغيرات الأساسية، مثل استبدال المعدات القديمة التي تستهلك قدراً أكبر من الطاقة بأخرى تستهلك معدلات طاقة أقل، أو القيام بما يسمى إعادة التأهيل. فعلى سبيل المثال، سيساهم بناء السكك الحديدية للقطارات عالية السرعة في التقليل من الانبعاثات الناتجة عن الرحلات الجوية الإقليمية، ولكن تحقيق هذا الهدف سيتطلب بناء حوالي 170,000 كيلومتر من المسارات الجديدة على مستوى العالم بحلول العام 2050 أو ثلاثة أضعاف عدد المسارات الحالية، وذلك وفقاً لتقرير "صافي الانبعاثات الصفري 2050" الصادر عن وكالة الطاقة الدولية. ولكن تبقى هناك خيارات أخرى يمكن أن تساهم في تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفري. وهنا يأتي دور شركات خدمات الطاقة، والتي بدخولها السوق جاءت لتقديم حلول وبناء قيمة سوقية لمساعدة المؤسسات والأفراد على خفض استهلاكهم من الطاقة والمياه.

ومن المهم أن ندرك في هذا السياق، أن خدمات الطاقة لها فائدتان اقتصاديتان رئيسيتان:
الأولى: مساعدة المستخدمين - سواءً كانوا أفراداً أو جهات تجارية - على توفير التكاليف وتقليل الاستهلاك ورفع الكفاءة.
الثانية: الإضافة إلى سلسلة قيمة الكفاءة من خلال المهارات والتوظيف.

بالعودة إلى تقرير صادر عن "فورتشن بزنس إنسايت" فإنه من المتوقع أن يصل حجم سوق خدمات الطاقة إلى أكثر من 41 مليار دولار أمريكي بحلول العام 2027 مرتفعاً من 17.28 مليار في سنة 2019. تستحوذ حالياً الولايات المتحدة وأوروبا والصين على حوالي 90% من الحصة السوقية لإعادة تأهيل المباني والمنشآت، وهذا يعني أن هناك فرصاً واعدة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي يبلغ تعدادها السكاني أكثر من 570 مليون نسمة، لتأسيس صناعتها والمطالبة بحصة أهم في هذا القطاع المزدهر.

تتوافق خدمات الطاقة بشكل كبير مع معطيات وظروف هذه المنطقة، حيث وضعت الحكومات أهدافاً طموحة للحد من الانبعاثات الكربونية وترشيد الاستهلاك. حيث تحدد الاستراتيجية الوطنية للطاقة 2050 لدولة الإمارات العربية المتحدة أهدافاً واضحة فيما يتعلق بمساهمة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الإجمالي، بالإضافة إلى رفع كفاءة الاستهلاك بنسبة 40%. بالإضافة إلى ذلك، تتطلع اقتصادات المنطقة إلى التنويع بعيداً عن النفط والغاز وإنشاء ملاذات ملائمة للاستثمار الأجنبي وصناعة المعرفة.

وفقاً لـ “المجلس الأمريكي لاقتصاد موفر للطاقة"، فإن أكثر من 2.2 مليون شخص يعملون على تقنيات كفاءة الطاقة وخدماتها المرافقة، بشكل يفوق عدد الأمريكيين الذين يعملون في قطاعات الطاقة والفحم والنفط والغاز والذي يبلغ تعدادهم 1.9 مليون عامل وموظف. ولا تدعم كفاءة الطاقة خلق الوظائف فحسب، بل تعمل على جذب رؤوس أموال بمليارات الدولارات في كل عام، مما يمكن هذا القطاع أن يخلق وظائف جديدة في منطقة تزيد فيها معدلات بطالة الشباب عن ضعف المعدلات الإجمالية للبطالة.

يمكن أن تكون هذه الصناعة عاملاً محفزاً لاستثمارات جديدة وخلق فرص عمل في منطقتنا. حيث لا توفر إعادة تأهيل البنية التحتية الحالية خياراً أكثر ملاءمة من حيث التكلفة فحسب، بل إنها أيضاً تلعب دوراً أساسياً في التقليل من البصمة الكربونية التي تتلازم مع الإنشاءات الجديدة، مما يعزز من جاذبية الاستثمارات العقارية للأفراد والشركات على حد السواء.

أدت هذه العوامل إلى الحاجة لتأسيس "أبوظبي لخدمات الطاقة"، المتخصصة في خدمات الطاقة من فئة الـ"سوبر إسكو" والتابعة لشركة أبوظبي الوطنية للطاقة "طاقة". حيث نهدف عن طريقها إلى إنشاء سوق لخدمات الطاقة في عاصمة دولة الامارات العربية المتحدة (أبوظبي). ومن خلالها، نعمل على تعزيز ثقافة ترتكز على الوعي الجماعي بأهمية تقليل الاستهلاك، وإلى جعل الوصول إلى الخدمات أكثر سهولة وتنافسية.

حدّدت "أبوظبي لخدمات الطاقة" من البداية عائد الاستثمار بوضوح، كما أنها تهدف لمساعدة المؤسسات التجارية، وذلك من خلال إدارة العملية بأكملها من البداية إلى النهاية. وهذا يشمل مراحل التقييم والمناقصات مع الموردين بدون تحميل العملاء عبء وجود استثمارات رأسمالية مقدماً. ويتم سداد تكلفة إعادة تأهيل المباني من خلال انخفاض فواتير الخدمات بمرور الوقت المتفق عليه في العقد.

للتعرف على المزيد من النقاط فيما يتعلق بالمزايا الاقتصادية، فقد أعلنت دائرة الطاقة في أبوظبي عن الانتهاء من أول مشروع تعاقدي في مجال توفير الطاقة في الإمارة ، والذي تم من خلاله إعادة تأهيل ثمانية مبانٍ حكومية، والذي نتج عنه متوسط توفير طاقة مبدئي بنسبة 38%.

بدأت "أبوظبي لخدمات الطاقة" في العمل مع العديد من المؤسسات في أبوظبي بما في ذلك شركة أبوظبي للخدمات الصحية (صحة)، وجامعة الإمارات العربية المتحدة، وشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، ودائرة الثقافة والسياحة. حيث نسعى من خلال هذه الشراكات، على العمل سوية للبناء على أهداف كفاءة الطاقة المزمع تحقيقها.

تقوم "أبوظبي لخدمات الطاقة" بالعمل على مشاريع إعادة تأهيل المباني وتقديم برامج كفاءة الطاقة لأننا نطمح في المحصلة لتركيب أجهزة موفرة للطاقة للمباني والمنشآت، ولكن تبقى الأنماط السلوكية العامل الأهم في دعم هذه المبادرات على المدى البعيد.

وفي النهاية نتطّلع قُدماً لأن يكون لنا دور محوري في المساعدة في تطوير نظم الاستدامة. فالأمر لا يتعلق بفعل الصواب فحسب، ولكن أيضاً بتقديم الأفضل للجميع، وهذا مكسب للطرفين في نهاية المطاف.